ادعمنا

الواقعية الجديدة - Neorealism - Structural Realism

يعود التطور النظري في العلاقات الدولية المرتبط بالواقعية إلى فترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث التفكير في أسباب الحرب، والحاجة لإنشاء مؤسسات دولية، قد تساعد في عدم تكرار حرب كبرى، ولذلك جاء النموذج الواقعي في مقابل المثالي، الذي كان سائد في بدايات القرن العشرين.

وتُعرف الواقعية الجديدة، أو الواقعية البنيوية أو الهيكلية، على أنها نهج في العلاقات الدولية، وهي إحدى تطورات النظرية الواقعية، ظهر في سبعينيات القرن العشرين، وجاء في إطار انتقاد طرح الواقعية التقليدية- Classical Realism، بسبب تركيزها على سلوك الدولة وصانع قرار السياسة الخارجية، واعتبرت الواقعية الجديدة أن فهم سلوك صانع القرار في السياسة الخارجية غير كافي لإدراك التفاعلات الدولية.

 

بنية النظرية:

ظهرت الواقعية الجديدة في كتاب "نظرية السياسة الدولية- Theory of International Politics"، لكينيث والتز- Kenneth Waltz، عام 1979، وقد اعتمدت الواقعية البنيوية في تفسيرها وتحليلها للسياسة الدولية على أربع محددات أساسية وهي:

1 - الدولة؛ والتي تم اعتبارها الفاعل الأساسي في السياسة الدولية، وهي ذات سيادة ومستقلة عن بعضها البعض، وتسعى لضمان بقائها.

2 - فوضوية النظام الدولي؛ وهذه الفوضوية هي من تحدد سلوك الفواعل في ظل عدم وجود سلطة مركزية، وتتميز الدول بقدراتها وليس بوظائفها.

3 - قوة الدولة؛ والتي تعتبر ضمانة البقاء، فمن خلال القوة يمكن للدول الدفاع عن أنفسها، ومن هذه القوة العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية.

4 - توازن القوة؛ تدفع حالة الفوضى في النظام الدولي نحو توازن القوة، ورغم أن احتياجات الدول واحدة، لكن الوسائل تختلف من بلد إلى آخر، وهناك طريقتان يمكنهما تحقيق توازن القوة في المجتمع الدولي، ويكون ذلك عن طريق:

- التوازن الداخلي، حيث تنمو قدرات الدول ومواردها من خلال الاستفادة من النمو الاقتصادي.

- التوازن الخارجي، حيث تشكل الدول تحالفات للاستفادة من قوة الدول المشاركة في التحالف.

ولم تختلف الواقعية الجديدة عن سابقتها في اعتبار العوامل النابعة من البيئة الخارجية محدد رئيسي للسلوك الخارجي للدول، وذلك انطلاقًا من فوضوية النظام الدولي، ومن هذا المنطلق فإن كل اهتمام الوحدات السياسية (الدول) هو كيفية الحفاظ على وجودها، وتتجه الدول لفهم البنية الدولية وليس الداخلية، حيث أن الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي هي من يحدد سلوك الدول، أما العوامل الداخلية فهي ليست عاملًا مهمًا في السياسة الخارجية، فالنظرية تفقد طبيعتها عندما تتدخل الخصائص القطرية المحلية للدول كأداة تفسيرية للسلوك الخارجي.

ويشكل نهج "والتز" الواقعي الجديد جزءًا من التقاليد الواقعية للنظرية السياسية من حيث أنها تفهم السياسة باعتبارها التفاعل التنافسي بين الجهات الفاعلة ذات المصلحة الذاتية، ولكنها تبتعد عن الواقعية الكلاسيكية في جهودها الهادفة إلى تقديم سرد علمي وهيكلي لهذه العلاقات القائمة على السلطة.

 وتعد السمتان الرئيسيتان لنظرية "والتز"، هما الحالة الفوضوية للعلاقات الدولية، وتوزيع السلطة بين الدول، فالعامل الرئيسي في العلاقات الدولية هو قطبية النظام، أي ما إذا كانت تهيمن عليه قوة عظمى واحدة أو اثنتين أو العديد من القوى العظمى، فنظام القطب الواحد الذي ساد السياسة العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، هو التكوين الأكثر اضطرابًا وخطورة، لأنه ترك قوة عظمى واحدة في الدخول في مغامرات خارجية تسيطر فيها.

وافترض "والتز" أن هناك ثلاث مستويات للتحليل، أو مايعرف بنظرية "الصور الثلاثة"، وهم:

- المستوى الأول؛ الأفراد صناع القرار، حيث يعتبر "والتز" أن جوهر الصراع الدولي يرجع إلى الطبيعة البشرية، وأن الحرب تأتي من مشاعر اندفاعية للإنسان، وستنتهي الحروب في حال توعية وتنوير صناع القرار.

- المستوى الثاني؛ البناء السياسي للدولة، فالحكومات توظف عيوب طبيعة التركيبة المحلية، وشكل النظام الحاكم في سلوكها الخارجي، أي أن سوء الحكم في الداخل قد يدفعها لمغامرات خارجية تهدأ من توترات الداخل، أما عدم سوء الحكومة فيعطي مشاركة للمواطنين في عملية السياسة الخارجية.

- المستوى الثالث، فوضى النظام الدولي، حيث يحدث الصراع في ظل تعدد الدول ذات السيادة، والطموحات المختلفة لكل دولة، وسبل الدول في تحقيق أهدافها، وفي هذا الواقع فإن ميزان القوى هو وسيلة تحقيق مصالح الدول.

 وعليه إذا أردنا فهم جوهر السياسة الدولية (الحرب)، فيجب دمج المستويات الثلاثة، حيث يصف المستوى الثالث الإطار العام للسياسة العالمية، لكن من غير الإنسان ومؤسسات الدول لا يمكن معرفة القوى التي تقرر السياسة وتحددها.

وارجع "والتز" التغير في بنية النظام الدولي إلى تَغيُّر عدد القوى الكبرى أو في قدراتها، فقبل الاتحاد السوفيتي لم تتغير بنية النظام الدولي إلا مرة واحدة خلال أربعة قرون، وذلك عندما تحول من متعدد الأقطاب إلى القطبية الثنائية بعد الحرب العالمية الثانية، ورأى "والتز" أن التحول لنظام القطبية الثنائية لها أثر إيجابي في الاستقرار والسلم الدولي.

وتؤكد الواقعية الجديدة على استخدام الأدوات الناعمة في السياسة الخارجية، حيث تحل مكان الأدوات الصلبة كالقوة العسكرية، في حين ترى الواقعية التقليدية أن القوة غاية في حد ذاتها، ولهذا تسعى الواقعية الجديدة لتحقيق توازن القوى، ومن ثم على الدول أن تواجه التهديدات الأكثر إلحاحًا، وتتطلب حالة الفوضى في النظام الدولي من الدول أن تضمن استمرار امتلاكها القوة الكافية للدفاع عن أنفسها، ودفع حياتها ومصالحها المادية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ولذلك تسعى الدول لتقوية الاقتصاد، وبناء القوى العسكرية على المستوى الداخلي، وبناء الأحلاف، وإضعاف الأحلاف المعادية على المستوى الخارجي.

وترى الواقعية الجديدة أن الدول عقلانية، وهذا يعني أن النظر إلى الهدف من البقاء على قيد الحياة هو هدف رئيس لجهات فاعلة، وعليها تعمل أفضل ما في وسعها من أجل تحقيق أقصى قدر من إمكاناتها من أجل الاستمرار في الوجود

 

انتقادات الواقعية الجديدة:

رغم أن الواقعية الجديدة جادلت الواقعية الكلاسيكية، إلا أنها تظل أحد فروع الواقعية، ويتفق التوجهان في الأسس المشتركة التي تمثل الفكرة الرئيسية للنهج الواقعي، وهي قوة وبقاء الدولة، ويختلف التوجه الكلاسيكي عن الجديد في الطريقة، حيث لم ترجع الواقعية الجديدة كل أسباب الصراعات على السلطة إلى طبيعة الدول كحال الواقعية الكلاسيكية، بل أرجعتها إلى طبيعة النظام الدولي باعتباره عالم من الفوضى، فالواقعية الجديدة ترى أنَّ الحالة الطبيعية للدول هي التسابق في الحصول على القوّة والسلطة التي تضمن بقائها وهيمنتها.

ويرى منتقدي الواقعية الجديدة أن هذا المنهج لم يعد صالح لتفسير العلاقات الدولية، فمفاهيم الفوضى، توازن القوى، والقوة ترجع إلى حقبة انتهت، والعلاقات الدولية تتطور، وظهرت َّأنماط ومفاهيم جديدة، منها الديمقراطية، العولمة، الاعتمادية، والمؤسساتية، ولذلك فقدت الواقعية قدرتها في تفسير العلاقات خاصة بعد الحرب الباردة.

وقد كان كتاب "والتز" الصادر عام 1979، يُنظّر للواقعية الجديدة في ظل نظام دولي ثنائي القطبية، لكن مع سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي، أصبح النظام الدولي أحادي القطبية مما أثبت تنبؤ الواقعية الجديدة خطأه، وبات تفسير طبيعة النظام الدولي وتفاعلاته، مع ظهور تحديات وتغيرات في السياسة العالمية غير وافي.

وأخطأت الواقعية الجديدة، أيضًا في إهمالها للتاريخ وعلم الاجتماع والفلسفة؛ وكان هذا الإهمال؛ وعدم مراعاة التحولات المنهجية في العلاقات الدولية، مع نهاية الحرب الباردة وظهور العولمة؛ سبب لاختزال وتراجع هذا الاتجاه، ومع ذلك، ظلت الواقعية الجديدة برنامجًا بحثيًا في دراسة العلاقات الدولية.

 

ما بعد الواقعية الجديدة:

أثبت مفهوم "والتز" للعلاقات الدولية وحججه الموضوعية تأثيرًا، وسيطرت المناقشات بين الواقعيين الجدد ومنتقديهم على الميدان في معظم الثمانينيات والتسعينيات، وعلى الرغم من أن مخالفة المؤسسات الليبرالية الجديدة مزاعم "والتز" حول صعوبة التعاون في ظل الفوضى، إلا أنهم اعتمدوا أساليبه والعديد من افتراضاته، وفي هذا السياق انقسم الواقعيون الجدد إلى معسكرات "دفاعية" و"هجومية"، حيث:

الواقعية الدفاعية:

وهي إحدى صور الواقعية، التي تتماثل مع الواقعية التقليدية في النظر إلى الدول بوصفهم لاعبين عقلانيين ولاعبين أساسين في الشؤون الدولية، وتصور النظام على أنه فوضوي، لكن الفوضى هذه أقل تهديدًا، ويمكن للدول أن تتعامل مع معظم التهديدات الخارجية من خلال تعديل ميزان القوى الدفاعية.

الواقعية الهجومية:

ظهرت الواقعية الهجومية كرد فعل للواقعية الدفاعية، حيث انتقدت مرتكز الواقعية الدفاعية الأساسي في أن إطار الفوضى الدولية تبحث فقط عن أمنها، حيث تفرض الفوضى باستمرار على الدول تعظيم وزيادة القوة، لذلك يعتقدون بتزايد احتمالات الحرب بين الدول كلما كانت لدى بعضها القدرة على غزو دولة أخرى بسهولة، واستمرار حالة الفوضى المطلقة، وما يميز هذا الصراع عن واقعية "والتز" هو عدم الإقرار بأن تفسير السياسات الخارجية والمخرجات الدولية لمختلف الدول يكون مبنيًا على فكرة الفوضى، وهذا ما ترفضه الواقعية الهجومية كعامل واحد.

 

المصادر والمراجع:

André Munro, Kenneth N. Waltz , available at: https://www.britannica.com/biography/Kenneth-N-Waltz , last view 25/11/2020.

 Bill Newmann, A Brief Introduction to Theories on International Relations and Foreign Policy, available at: http://www.people.vcu.edu/~wnewmann/468theory.htm, last view 25/11/2020.

 Duncan Bell, Realism, available at: https://www.britannica.com/topic/realism-political-and-social-science#ref1250400, last view 25/11/2020.

 Moji Kheyrian, What are the implications of realisms apparent dominance of the study of International Relations?, available at: http://cgsrs.org/publications/101 , last view: 25/11/2020.

علاء هاشم، الواقعية السياسية الجديدة في العلاقات الدولية، الحوار المتمدن، آخر عرض: 25/11/2020.

أحمد محمد أبوزيد، كينيث والتز: خمسون عاما من العلاقات الدولية (1959_2009) دراسة استكشافية، مجلة المستقبل العربي للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 27، 2010.

تيم دان، وآخرون، ترجمة ديما الخضرا، نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2016.

د. أحمد وهبان، النظرية الواقعية وتحليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى ميرشايمر "دراسة تقويمية"، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، العدد 2، 2016.

ميثاق مناحي دشر، النظرية الواقعية: دراسة في الاصول والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة (قراءة في الفكر السياسي الامريكي المعاصر)، مجلة أهل البيت، جامعة أهل البيت، العدد 20، ديسمبر 2016. 

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia